المنية بعد فصلها عن الضنّية: وحدها تطبّق القانون الأكثري
من بين جميع النّاخبين في كلّ الدّوائر الإنتخابية في لبنان الذي سيقترعون في الإنتخابات النيابيّة المقرّرة في 15 أيّار / مايو المقبل وفق قانون الإنتخابات القائم على النسبية وعلى الصوت التفضيلي، وحدهم ناخبو المنية سيقترعون وفق النظام الأكثري، بعدما أسفرت التقسيمات الإنتخابية وفق القانون المذكور عن جعل وضع النّاخبين في المنية إستثنائياً.
فالمنية التي خصّص لها قانون الإنتخابات مقعداً نيابيّاً واحداً، بعد فصلها عن توأمها الضنّية التي تشكل معها قضاءً إدارياً واحداً، أصبحت الدّائرة الإنتخابية الصغرى الوحيدة في لبنان التي خَصّص لها قانون الإنتخابات مقعداً نيابياً واحداً، وبالتالي فإنّ ذلك يعني انتفاء وجود النسبية والصوت التفضيلي فيها، وحرم ناخبيها من مساواتهم مع بقية النّاخبين في لبنان لجهة تطبيق القانون الإنتخابي، وجعل أيّ مرشح يحصل على أعلى عدد من أصوات ناخبيها يفوز بمقعدها النيابي.
حرمان ناخبي المنية، الذين يبلغون 48008 ناخبين وفق لوائح شطب الإنتخابات المقبلة، من اختبار “تجربة” القانون الإنتخابي الجديد لجهة تطبيق النسبية والصّوت التفضيلي، ليس الأوّل من نوعه، ففي دورة إنتخابات 2018 خضع ناخبو المنطقة للتجربة نفسها، بعدما فصل قانون الإنتخابات المنطقتين، المنية والضنية، عن بعضهما، في إجراء هو الأوّل من نوعه في لبنان، من أجل مصالح سياسية ـ إنتخابية بحتة.
فصل المنية عن الضنّية ليس الأوّل من نوعه، ففي دورة إنتخابات عام 2000، الذي سُمّي بـ”قانون غازي كنعان”، فُصلت المنية عن الضنّية وأُلحقت بدائرة الشّمال الثانية التي ضمّت عامها طرابلس والكورة وزغرتا والبترون، بينما أُلحقت الضنّية بدائرة الشّمال الأولى التي ضمّت عكّار وبشري، قبل أن يتكرّر الأمر في دورة إنتخابات عام 2005.
في دورة إنتخابات عام 2009 جرت العودة إلى قانون إنتخابات عام 1960 عادت معه المنية والضنّية دائرة إنتخابية واحدة، خصّص لها قانون الإنتخابات حينها مقعدين نيابيين، إثر زيادة عدد مقاعد مجلس النواب عامها من 77 نائب إلى 99، بعدما كان قانون الإنتخابات السّابق منذ الإستقلال عام 1943 وحتى قانون إنتخابات 1960 قد خصّص لها مقعداً نيابيّاً واحداً.
بعد اتفاق الطائف عام 1989 وزيادة عدد مجلس النوّاب إلى 128 نائب، أُضيف مقعد إضافي إلى قضاء المنية ـ الضنّية ليصبح عدد نوّابه ثلاثة، وهو القضاء الذي جرى تأسيسه رسمياً في قانون عام 1993، بعدما كان سابق يُعرف بـ”قرى قضاء طرابلس”، والذي كان ملحقاً بمدينة طرابلس، وخاضعاً لسلطة مباشرة من محافظ لبنان الشّمالي، قبل تعيين حنّا الياس أوّل قائمقام له قبل نحو عقد ونيّف من الزمن.
قصّة هذا القضاء التي لا تشبه قصّة قضاء آخر، وتقسيمه جزأين، تعود إلى حسابات سياسية وانتخابية دون غيرها. ففي حين كان يجري ضمّ قضاء إلى آخر في دوائر إنتخابية أخرى، كما هو حال قضاء الهرمل الذي ضمّ إلى قضاء بعلبك ليشكلا دائرة إنتخابية واحدة، وضمّ قضاء حاصبيا إلى قضاء مرجعيون ليؤلفا أيضاً دائرة إنتخابية واحدة، منذ قانون 1960 الذي جرت الإنتخابات فيه على أساس القضاء، حصل العكس بالنسبة لقضاء المنية ـ الضنّية.
في دورة إنتخابات 2018 جرى تقسيم القضاء بشكل غريب وإستثنائي لم يشهده أيّ قضاء آخر في لبنان، وقد خُصّص للمنية مقعد نيابي واحد وللضنّية مقعدان بسبب توزّع السكّان والنّاخبين بين ثلثين في الضنّية وثلث في المنية، وتبين لاحقاً أن تيّار المستقبل الذي فاز في دورتي عامي 2005 و2009 بمقاعد القضاء الثلاثة، كان مهدّداً بخسارة مقعدين فيه وفق قانون الإنتخابات الجديد، وفق تقديرات وتوقعات، فأقدم على خطوة تقسيم القضاء كي يضمن فوزه مقعدين فيه، وهو ما تحقق له عامها بسهولة، وسط ضبابية تسود اليوم النتائج المرتقبة للإنتخابات النيابية في القضاء بجزأيه، وتساؤلات عن مصير القاعدة الإنتخابية للتيّار الأزرق فيه، بعد عزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشّح، ورفض نوّاب ومرشّحين الإلتزام بقراره، وإصرارهم على خوض الإنتخابات بلا غطاء أو دعم منه.
عبد الكافي الصمد